الجزائر العاصمة... أكثر من 10 آلاف واجهة عمرانية بحاجة إلى ترميم
خطت الجزائر خطوات متقدمة في مجال القضاء على الفسيفساء البشعة التي شكّلت واجهات العمارات بالعاصمة طوال عقود من الزمن، والتي صنعتها مختلف أشكال وألوان الزرابي والغسيل المنشور على شرفاتها
ومعها خيوط الهاتف الثابت وهوائيات مقعرة شوهت المنظر العام للعاصمة التي تبحث لها عن مكان يحاكي مكانتها التي كانت عليها قديما، وهي التي لقبت يوما بعروس البحر الأبيض المتوسط قبل أن تتقهقر مع الوقت لتتذيل ترتيب العواصم العالمية الراقية، وهو رهان وقفت عليه رغم صعوبته بالنظر إلى قلة الخبرة في مجال الحفاظ على جمال وتاريخ هذه البنايات، ضف إليها الأموال الطائلة الواجب صرفها لضمان تحقيق البرنامج الذي ركز كبدايته على 14 بلدية، تمثل قلب العاصمة واحتضنت أهم الحضارات التي مرت على الجزائر.
أكثر من 10 آلاف واجهة عمرانية بحاجة إلى ترميم
قد يستغرب الكثيرون عندما يكتشفون أن جزائريين يأوون إلى بنايات يقارب عمرها الـ 200 سنة، وأن أغلبها قد بلغ من الاهتراء درجات متقدمة، بحيث أضحى اللجوء إليها نوعا من أنواع المخاطرة بالحياة، فلم تعد صالحة للسكن من جهة وتشكل تهديدا آخرا بالنسبة للمارين تحتها بسبب تهاوي أجزاء منها ومن شرفاتها المتصدعة وجدرانها المتآكلة من جهة أخرى، خاصة على مستوى قلب العاصمة في شوارع حسيبة بن بوعلي، نهج محمد الخامس وكذا ديدوش مراد التي نالت أولوية الانطلاق في مباشرة مشروع الترميم الذي بادرت به مصالح ولاية العاصمة لإعادة الوجه الجمالي للبهجة، وبعث روحها التي ردمتها سنوات العشرية السوداء تحت أنقاض جملة من الأزمات، على رأسها أزمة السكن التي جعلت الكثيرين يرضون باحتلال قبو العمارات وأسطحها وإضافة ملحقات لسكناتهم بغية ضمان أسقف يأوون داخلها بغض النظر عن ظروفها الكارثية.
تركة ثقيلة استلمها ولاة ما بعد العشرية لإعادة المياه إلى مجاريها، توّجها الوالي عبد القادر زوخ بمشروع الترميم الذي أرسى قواعده النهائية قبل أكثر من 3 سنوات، تضمن ترميم أكثر من 10 آلاف بناية على مستوى 14 بلدية لوسط المدينة، حيث تتوفر العاصمة على برنامج ترميم 55302 سكنا حددوا من خلال دراسة التشخيص التقني والاجتماعي - الاقتصادي التي أنجزت سنة 2006 وشملت حظيرة تضم 13690 عمارة (78445 سكنا) موزعة على 14 بلدية لوسط المدينة.
ألف مليار سنتيم لاستعادة تاريخ وبهاء "البهجة"
رفعت سلطات العاصمة سقف الميزانية المخصصة لإعادة ترميم البنايات التي طالها الاهتراء إلى مستويات قياسية، منها ألف مليار خصصت لإعادة الوجه الجمالي للعاصمة وضمان الحفاظ على تاريخها العريق، بحكم أن أغلب البنايات تحكي فترة أو حقبة ما من الزمن، حيث خصصت أغلفة مالية متتالية لترميم واجهات وسلالم وأقبية العمارات القديمة، في خطوة باشرت فيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وإن واجهت جملة من الصعوبات جعلتها تتجنب الاستعجال، خاصة وأن أغلب البنايات فاق عمرها الـ 100 سنة في مقابل افتقار كثير من المؤسسات القائمة على الأشغال، للخبرة والكفاءة اللازمتين لتحمل مسؤولية يمكن أن ترفع إلى مصاف المسؤولية العليا للحفاظ على تاريخ الجزائر العريق الذي تحفظه هذه البنايات، حيث يهدف برنامج الترميم إلى الإبقاء على معالم عاصمة الجزائر وتاريخها، والانطلاق كان من شوارع "حسيبة بن بوعلي" و"العربي بن مهيدي" و"ديدوش مراد"، وأحياء "باب الوادي" الشعبي و"القصبة" و"تيليملي"، والمخطط الذي باشرته السلطات المعنية هدفه ترميم واجهات العمارات على مستوى الشوارع الكبرى، وإعادة ترميم السلالم والمدرجات والأسقف، وهي جميعاً تهدد المواطنين المارة بسقوط أجزاء منها في أيّ لحظة، ضف إليها ترميم العمارات التي تعاني في معظمها من مشاكل تسرب المياه، والتي أصبحت في الوقت نفسه تهدد حتى بسقوط العمارات.
وعلى الرغم من حرص سلطات الولاية على الجانب الجمالي لقلب العاصمة، إلا أنّ تلك العمارات تشكل جزءاً من المشهد العام للجزائر القديمة، إذ تمثل العمق التاريخي لعاصمة البلاد، ما دفعها إلى إعادة تهيئتها من أجل إعادة إحياء وجهها اللائق الذي عرفت به على امتداد التاريخ.
المساس بالنسق العمراني جريمة يعاقب عليها القانون
لم تعد مسألة الإضافات التي يعمد إليها الكثيرون إلى مساكنهم بعمارات العاصمة شيئا هينا ويتم التغافل عنه تحت مسميات أزمة السكن، والحرية الشخصية في طريقة التزيين أو الطلاء أو غير ذلك، بل أضحى أي مساس بالنسق العمراني المعتمد جريمة يعاقب عليها القانون، إذ يرتقب أن تجسد النصوص القانونية المتضمنة لهذه الإجراءات على أرض الواقع وإقرارها كشروط إجبارية صارمة تفضي إلى معاقبة كل من تسول له نفسه تجاوزها، سواء تعلق الأمر بالمواطن أو الشركات القائمة على أعمال الترميم وحتى البناء، إذ يفرض على الجميع الانصياع إلى الشروط الإجبارية المستجدة، بالإضافة إلى المخططات المعمارية التقليدية الموقعة من طرف المهندسين المعماريين، والمخططات الهيكلية الموقعة من طرف المهندسين المدنيين، وأي اخلال بهذا الأمر يعني تهديم البناء.
وكانت الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره "عدل" قد لمحت قبل أشهر إلى هذا، من خلال ارسال إعذارات إلى عدد من السكان بغية إزالة كلّ التغييرات التي أحدثوها على الشرفات وواجهات المنازل، وإلاّ تحويل ملفّاتهم على العدالة، وإقرار غرامات مالية في حقّهم، وهذا موازاة مع توجيه وزارة السكن تعليمات لمختلف مصالحها من أجل الشروع، بالتنسيق مع المصالح البلدية، في القيام بحملات مراقبة على العمارات التي تم تغيير واجهاتها من طرف المواطنين الساكنين بها، وهذا تطبيقا لقانون العمران الجديد الذي ينص على أن كل تغيير في البناء بدون رخصة بناء ممنوع تماما، خاصة وأن النصوص الجديدة تشرع في فرض عقوبات مالية على المواطنين الذين قاموا بتغيير واجهة مساكنهم، كون واجهات العمارات ملكية مشتركة لا يملك المواطن أيّ حرية في تغييرها أو التصرّف فيها.
برتغاليون لتزيين عمارات عمرها عشرات العقود
يتكفل متعامل برتغالي بمهمة عصرنة وتزيين واجهات البنايات بالعاصمة، حيث سيضع في الحسبان هندسة معمارية تعاقبت عليها أكثر من حقبة زمنية وترتكز على 13 عملية تهيئة محورية تتعلق بتهيئة واجهات العمارات التي تقع في أكبر شوارع العاصمة، منها شارع ديدوش مراد، مليكة قايد وبن مهيدي، وهذا في إطار مشروع تزيين العاصمة الذي خصصت له ميزانية ضخمة، حيث استعجلت السلطات الولائية القضاء على العشوائية بواجهات البنايات خاصة بالأحياء الراقية واستبدالها بتزيين شرفاتها بالنباتات في إطار جهود التحسين الحضري التي عكفت عليها الولاية منذ مدة، والقاضية أساسا بتوحيد طلاء واجهات هذه البنايات، حيث وجهت تعليمات تقضي بتوحيد طلاء واجهات البنايات بالأزرق والأبيض، مع الحرص على اختيار الألوان القوية الكفيلة بمقاومة التغيّرات المناخية لمنح منظر جميل وبهي للنسيج العمراني، وهو ما شدد عليه الوالي في خرجاته الميدانية لتفقد ورشات أشغال انجاز عمليات التهيئة الخارجية للبنايات، التي تجري بعدة أحياء من مختلف بلديات الـ13 مقاطعة إدارية بالعاصمة، بعد أن أبدى رفضه للألوان المختارة لدهن العمارات من قبل والتي ركزوا فيها على الألوان الباهتة، في وقت دعا القائمون على العملية إلى العودة للتجربة الصينية في هذا المجال والتي أثبتت نجاعتها خاصة مع الانعكاس الذي تبثه في نفوس المارة المسرورين ببهاء مناظرها التي تعطي انطباعا بحيويتها، خلافا للألوان الباهتة التي توحي أن العمارات مهجورة ولا سكان فيها.
الصحون الهوائية، خيوط الهاتف ونشر الغسيل.. من الماضي
تسابق المصالح الولائية الزمن لإزالة الزوائد التي تشوه المنظر العام للعمارات في العاصمة خاصة منها الهوائيات المقعرة، مشددة على ضرورة استكمال مشروع نزعها نهائيا من كافة الأحياء وتعويضها بالهوائيات الجماعية والكوابل التي تنهي المناظر المشوهة والتي وقفت عائقا في وجه استكمال المخطط الاستراتيجي للعاصمة، مذكرة بما جاء في الجريدة الرسمية بشأن نفض وتمشيط الزرابي في الشرفات والنوافذ أو صرف المياه الناتجة عن هذا التنظيف، والمتضمنة "تحديد النظام النموذجي للملكية المشتركة" والتي تدخل في إطار مساعي ولاية الجزائر في القضاء على المناظر التي تشوه وجه العاصمة؛ عملا بتعليمة سبق أن صدرت سنة 2009، وتم تحيينها في 2014 ضمن مخطط الجزائر البيضاء الممتد إلى غاية 2035، حيث حرص الوالي خلال مختلف الزيارات لمشاريع التحسين الحضري لبلديات العاصمة على المطالبة بالقضاء على العشوائية الموجودة من نشر لغسيل الملابس أو المقعرات الهوائية وإلزام المواطنين بتزيين الشرفات بالنباتات عوض الغسيل وخيوط الهواتف العشوائية الموجودة في كل عمارة، سيما وأن هذه الظاهرة تتنافى مع مشروع الجزائر البيضاء الذي تسعى مصالحه لتجسيده في جميع المجالات خاصة بالبلديات الراقية التي تمثل نبض العاصمة.
وقد تم تركيز الإجراءات العملية والجهود المبذولة على ثلاث مظاهر لا تزال تفسد على العاصمة مساعي ترقيتها وإعادة وجهها الجمالي ممثلة أساسا في الهوائيات المقعرة، الغسيل المنشور وكذا خيوط الهاتف الثابت التي تحالفت لإفساد المشهد العام.
التعليقات على الموضوع