أصابع قليلة تنسج السجاد العربي في لبنان
سجاد 'الفاكهة' يمتاز بصوفه الخالص ووبره الطويل وهو ما جعل سعره مرتفعا، لكن بدخول نظام الوظائف إلى الحياة عزف الجيل الحالي تعلم الحياكة أو ممارستها.
الفاكهة” في البقاع الشمالي (شرقي لبنان) لمئات السنين بصناعة السجاد، إلى أن غيّبها انكفاء الأجيال الجديدة على الوظائف عن العمل المنزلي.
وبلغت شهرة سجاد “الفاكهة” مداها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ليزداد الطلب عليه مع دخول السجاد الأجنبي إلى السوق اللبنانية، حيث وجد أهل قرية الفاكهة أنفسهم أمام بضاعة خارجية أقل جودة وسعرا لكنها أكثر طلبا.
الحاجة أم خالد، من القلائل في البلدة التي مازالت تغزل الصوف يدويا بنفس المعدات والطرق التي تعلمتها حين كانت في التاسعة من عمرها.
وتقول “حياكة السجاد مهنة متعبة ودقيقة، ورغم ذلك فإني أجد نفسي متعلقة بها ووحيدة دونها، كيف لا أكون وقد عملت في هذه المهنة لسنوات طويلة بمعدل 9 ساعات يوميا”.
وهكذا كان كل بيت في البلدة ينتج حاجاته من السجاد والبطانيات والأغطية بالاعتماد على طريقة النسج على النول، التي لبت بدورها حاجات البقاع كله مع حاجات بعض البلدان المجاورة.

إرث على شفير الاندثار
وعن آلية التصنيع تقول أم خالد “من مواشي قريتنا كنا نأتي بالصوف ونمشطه بمشط خشبي ذي رؤوس حديدية نصنعه بأيدينا إلى أن يصبح خفيفا ونظيفا، ونستخدم دولاب الغزل عقب ذلك لتحويل الصوف إلى خيط وهذا ما نسميه غزلا، وبعد ذلك نصبغه بألوان نختارها ثم نضعه على النول الخشبي الكبير لتبدأ عملية الحياكة”.
وحين تنظر إلى المعدّات التقليدية التي تعمل بها الحاجة أم خالد، تدرك أن عمرها زهاء 100 سنة حتما، وعن ذلك تقول “نقلت هذه المعدات من بيت أهلي إلى بيت زوجي، وأشهد أنه لا توجد امرأة في الفاكهة إلا ومرت بنولي الذي أملك، أما وقد أكل على معداتي الدهر وشرب، فإني لم أعد أجد من يرغب في أعمال الحياكة ولا بأقل حال من يريد أن يتعلمها”.
” تناقلنا هذه الحرفة من جيل لآخر، كبيرنا كان يعلم صغيرنا إلى أن يكبر الصغير ويعلم التالي، لكن مع دخول نظام الوظائف إلى الحياة تغيرت اهتمامات بناتنا ولم تعد إحداهن ترغب في تعلم الحياكة أو ممارستها”.
وتضيف “أحزن جدا لما آل إليه واقع هذه المهنة، فبعد أن وصلت سمعة سجاد بلدتنا إلى العالم كله ووفد إلينا الآلاف من الناس من كل لبنان وخارجه، أصبحنا نترقب كل سنة بضع طلبات من المغتربين اللبنانيين ومن الذين يهوون تزيين منازلهم بحرفيات أصيلة”.
ولهذا فإنها حاولت قبل فترة تنظيم دورة للشابات اليافعات لتعليمهن الحياكة، إلا أنها بعد الدورة لم تجد أيا منهن معها.
وتقول “أحاول جاهدة أن أحفظ إرث جدتي رحمة سكرية التي تعلمت الحياكة من امرأة تركية وعلمتها لكل النساء في المنطقة، لكن لا يمكنني أن أكذب بشأن واقع الحرفة التي أضحت على حافة الاضمحلال”.
وعزّت نفسها بأنها بلغت جهدها في الحفاظ على إرث أجدادها ووفت الأمانة، وحاكت سجادا “لو فرش في شوارع لبنان وحواريه لغطاها شبرا شبرا”، حسب وصفها.
جورية مسلماني، الحياكة التي توقفت عن تلبية الطلبات الخارجية واكتفت بصنع احتياجات منزلها، تقول “أجزم أنه لا يوجد سجاد بجودة الذي كنا ننجزه وإن كان سعره مرتفعا نسبيا، إلا أن ما نحيك يقي من البرد ولا يحترق بالنار كالسجاد الصناعي الموجود في الأسواق، كما أنه يُعمّر لـ300 عام وبعضه إلى 500، منافسا بذلك الأنواع العجمية الأصيلة”، حسب قولها.
ويشار الى أن السجاد في “الفاكهة” امتاز بصوفه الخالص ووبره الطويل، وهو ما جعل سعر السجاد متوسط الحجم يصل إلى 3 آلاف دور أميركي، كما أن العمل بواحد بطول 3 أمتار وعرض 4، يستغرق 6 أشهر من العمل تقريبا.
نُشر في 2018/02/12،
التعليقات على الموضوع