حدود مصر الملتهبة.. بين التاريخ والجغرافيا
حدود مصر الملتهبة.. بين التاريخ والجغرافيا
بن جوريون يؤكد أن تواجدهم في هذه الحدود بالنسبة لإسرائيل ليست احتلالا وإنما هي استعاده لحق تاريخي لهذه الحدود
بقلم: محمد عبدالواحد |
والكتاب على صغر حجمه وقلة عدد صفحاته (137 صفحة) تتعاظم قيمته وتتمدد داخل الرأس بقوى التاريخ والجغرافيا، وتتمدد داخل الروح إلى أن تصل بها إلى نفس الحدود الملتهبة.
لو عدنا إلى كتاب "تفتيت الشرق الأوسط تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي" لكاتبه د. جيرمى سولت لاطلعنا على ما قرأه بن جوريون في نوفمبر/تشرين الثاني 1949 على الكنيست خلال رسالة الانتصار وكان منها "لقد أعدتمونا إلى الفترة المجيدة الحاسمة في تاريخنا القديم .. فباكتساح قوات الدفاع الإسرائيلية قد مددتم يدكم إلى الملك سليمان. إيلات ستكون مجددا الميناء العبري القائد في الجنوب, ومضايق السويس ستفتح أمام الملاحة الإسرائيلية و(يوتفات) المسماة حتى الآن تيران والتي كانت دولة عبرية مستقلة حتى قبل 1400 عام ستعود كجزء لايتجزأ من كومنولث إسرائيل الثالث".
وأكد بن جوريون أن تواجدهم في هذه الحدود بالنسبة لإسرائيل ليست احتلالا وإنما هي استعاده لحق تاريخي لهذه الحدود، يؤكد ذلك أن الصراع على هذه الحدود ليست مجرد صراع عسكري أو صراع مطامع وإنما صراع عقائدي مما يؤكد دقة عنوان الكتاب "حدود مصر الملتهبة".
كما اعترف د. جيرمى سولت في ذات الكتاب بأن صدمة عصبية تاريخية مازالت تمسك بتلابيب الجهاز العصبي للغرب اثر بربرية الأتراك كممثل للدول الإسلامية أثناء غزوهم للغرب، والذي كان يدفع حتى نسائهم إلى الانتحار على مدارج الصخور الجبلية قبل التعرض الأكيد لاغتصابهم على أيدي الأتراك وغيرها من الفظائع التي خلقت إصرارا تاريخيا لم يهدأ إلى الآن لتقسيم الأراضي العربية بدءا بالطبع من الإمبراطورية العثمانية والى الساعة من خلال حروب ومعاهدات ووعود ومخططات سرية مختلفة.
جاء الربط في كتاب "حدود مصر الملتهبة" رائعا بين اتفاقية سايكس بيكو ومخطط برنارد لويس كمرحلة تعديلية في ظل توازن القوى الجديد الذي تعتلى أميركا قمته وان كنت أشعر بأن هذا الجزء بالذات كان من الممكن تضفيره مع ما جاء في كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج لويليام كار" الذي أظهر أن الحربين العالميتين الأولى والثانية ورجوعا إلى الثورة الفرنسية، وتقدما إلى مخطط برنارد لويس كلها كانت من إعداد جماعة النورانين (حكماء صهيون) مما كان سيقود إلى إلقاء الضوء على مخططات وايزهاوبت للنورانين، وقيادة الجنرال بايك بعد ذلك فى تنفيذ هذه المخططات.
كذلك في الجزء الخاص بتقسيم الخليج فهناك لعب على الإطار العرقى والطائفي، ولكن داخل تخطيط جغرافي يضمن لأميركا اقتطاع الجزء البترولي من كل دولة منها، بما فيها إيران والسعودية والكويت لينمو بينهم بئر بترولي واحد هو الأضخم في العالم ويخص أميركا في نهاية الأمر كجزء من المخطط النهائي.
الجزء الخاص في "حدود مصر الملتهبة" بتيران وصنافير والذي تؤكد حساسيته ما سبق من حديث بن جوريون عن هذه المنطقة "المضايق بما تحويه من جزر تيران وصنافير" كونها الدولة العبرية التاريخية الأولى مما جعل مصر في إصرار قديم على حمايتها من الأطماع العبرية، فكانت هي والسعودية منذ الخمسينيات على قناعة تامة بأنه لا بد من جيش قوي لحمايتها من هذه الأطماع العقائدية لذا تخلت السعودية عن حمايتها لصالح الجيش المصري.
وعلى الرغم من كل الحقائق التاريخية والجغرافية والتي أوردها الكاتب لتؤكد ما سبق إلا أن قناعة الكاتب الشخصية جاءت ضبابية إلى حد ما كأنه فريسة للصراع بين العقل والتاريخ والجغرافيا والضمير الأدبي والأكاديمي، من ناحية تدعو إلى كونهما سعودتين بحكم الماضي وبحكم جيولوجية المنطقة، كما أكدها الدكتور فاروق الباز وبين الوطنية كونهما من الممكن ضمهما إلى الحدود المصرية بما تمتلكانهما من ثروة معدنية وثروة موقع استراتيجي بحكم الحاضر ووضع اليد.
أما عن التذرع بأن عبدالناصر قد أعلن مصريتهما، فقد كان ذلك من قبيل الكيد السياسي على خلفية من محاربة الملكية المباشرة من خلال طرد الملك في مصر أو غير مباشره من خلال حرب اليمن (فيتنام مصر بما تكبده عبدالناصر من خسائر فيها – 26000 شهيد بالإضافة إلى 40 مليون جنيه مصري حينها كان الجنيه الذهب يكافئ 97.5 قرش صاغ) المعززة في جانبها الآخر من فيصل ملك السعودية، بل وحرض اليمن حينها على استرداد منطقتي جيزان ونجران من السعودية كحق تاريخي، لذا كان من المستبعد تماما اعتراف عبدالناصر حينها بمصرية الجزيرتين.
يأتي هذا الكتاب زمنيا في عصر محاولة فرض الإسلام السياسي بسط سيطرته بكل طوائفه وجماعاته التي خرجت في معظمها من تحت عباءة الإخوان المسلمين والذي أكد مرشدهم عندما سئل عن حدود مصر برده الحاسم "طز في مصر". وقد أكمل ممثلهم الرئاسي هذه السياسة الطزية بفتح الضوء الأخضر أمام السودان لتتقدم أحلامها نحو حلايب وشلاتين. ومازال ما يجري في سيناء خير برهان على ما كان يحاك لحدود مصر من جحيم ليس فقط لإلهاب هذه الحدود وإنما لصهرها وإخفائها تماما من الوجود.
اقترح طرح هذا الكتاب "حدود مصر الملتهبة" على الجيل الجديد من خلال إقراره في مناهج وزارة التربية والتعليم ليتشكل أمام الأجيال السطحية الثقافة في غالبيتها الآن رؤية عن ماضي حدود مصر وحاضرها. وأن يقدم من خلال مكتبة الأسرة للوصول إلى عقلية كل قارئ تشوشت الحدود لديه. والى الشؤون المعنوية للجيش ليصل إلى الجندي البسيط في كتيبته، وان يتم تدريسه في المعاهد والكليات العسكرية، ليتضافر مع عقيدة الجندي المصري من أعلى الرتب إلى أدناها. وليكون دافعا عقائديا للحفاظ على هذه الحدود دون الاهتزاز تحت أمواج التشكيك القادمة بصخب البحر الواسع من كل الجهات.
التعليقات على الموضوع