مصر تبحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة الانفجار الديموغرافي
تمثل الزيادة السكانية تحديّا خطيرا لمصر حتى وصفه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنه “لا يقل خطورة عن الإرهاب”. وتسعى الحكومة إلى الوصول لحلول وطرق غير تقليدية لرفع الوعي بضرورة خفض الإنجاب بين الأسر. واقترح مسؤولون وممثلون لجهات دينية ومجتمعية رفع سن الزواج والتوعية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه خطاب التوعية للشباب لمواجهة الأزمة.
أصبحت قضية الانفجار السكاني في مصر أزمة كبرى في ظل فشل أغلب الحلول لمواجهتها من قبل الحكومة وجمعيات المجتمع المدني لترتقي إلى أعلى مراتب الخطورة، بعد أن اعتبرها البعض أنها لا تقل أهمية عن القضاء على الإرهاب.
وأطلق مجلس النواب حوارا مجتمعيا على نطاق رسمي، الاثنين، لوضع حلّ جذري للزيادة السكانية غير المسبوقة، والبحث عن حلول واقعية لمنع الأسر من كثرة الإنجاب.
ورغم أن الحوار شاركت فيه أطياف عدة، أبرزها ممثلون عن الحكومة والأزهر والكنيسة والمجتمع المدني والمنظمات المعنية بالمرأة، لتوحيد الجهود والآراء في إطار وضع استراتيجية متكاملة تستطيع الحكومة من خلالها التغلّب على الزيادة السكانية، بأيّ طريقة كانت، لكن الاجتماع لم يخرج بنتائج ملموسة أو حلول واقعية يمكن من خلالها البدء في التصدي لظاهرة كثرة الإنجاب، ما يوحي بأن مختلف الجهات أصبحت عاجزة عن مواجهة الأزمة.
واقترح وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز خلال الحوار، أن يتم رفع سن زواج الفتيات لأكثر من 18 سنة، كإحدى وسائل المواجهة، مع ضرورة خلق قنوات حوار مع الأجيال الجديدة منهن، وتوجيه رسائل مفادها أن الحمل المتكرر يؤثر سلبا على الدخل والإنتاج والجسد.
وأوصت اللجنة الحوارية بسرعة تجديد الخطاب مع الشباب بشأن الأزمة، بحيث يكون أسلوب الحديث الحكومي معهم من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة التي يتعاملون من خلالها بدلا من الأساليب القديمة التي تستخدمها الحكومة لإقناعهم بخطورة كثرة الإنجاب.
واقترح ممثلون للحكومة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل علمي ومدروس في التواصل مع الشباب حول قضية الزيادة السكانية، بالإضافة إلى أهمية توظيف الدراما من خلال مسلسلات لتوضيح مخاطر هذه القضية.
وتشكل الزيادة السكانية قضية أمن قومي لمصر، ويرجع الخبراء أسباب الأزمة إلى الفقر والأمية وانتشار ثقافة “العِزوة” وهي جلب الرزق بكثرة الإنجاب، وهو ما تحتاج الحكومة إلى تغييره للوصول إلى تحسن ملموس.
وتعدّ مصر أكثر دولة عربية سكانا، وطبقا لأرقام حكومية فإن عدد السكان سيرتفع إلى قرابة 128 مليونا بحلول 2030، إذا استمرت معدلات الخصوبة التي تبلغ أربعة مواليد لكل أنثى.
ورأى وكيل لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة بمجلس النواب محمد أبوحامد أن “استراتيجية التصدي للكثافة السكانية تركّز على تجديد الخطاب مع الشباب، لا سيما وأنهم يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع، وهؤلاء أعمدة الأسرة في المستقبل، ومن الأجدى أن تتغير ثقافاتهم الإنجابية”.
تشكل الزيادة السكانية قضية أمن قومي، ويرجع الخبراء أسبابها إلى الفقر وثقافة "العِزوة" وهي جلب الرزق بكثرة الإنجاب
وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة لن تستطيع وحدها مواجهة الأزمة، لأن هناك زواجا مبكرا وتسربا من التعليم وغياب ثقافة تنظيم النسل، وبالتالي فالمسؤولية مشتركة على كل الأطراف، وسوف يتخذ البرلمان ما يتطلب من تشريعات ويضع استراتيجيات وحلول متعددة، لأن الوضع لم يعد يحتمل تأخر المواجهة أو الصمت على هذا الواقع الكارثي”.
وتدرك الحكومة مدى الصعوبة في ترسيخ مفهوم تنظيم النسل لدى المواطنين، لأن أكثرية الأسر، وتحديدا الفقيرة، وهؤلاء يمثلون نحو 40 بالمئة من المجتمع، ينظرون إلى كثرة الإنجاب على أنه سند اقتصادي لهم، حيث يتم استثمار الأبناء في أعمال حرفيّة ووظائف يقومون من خلالها بالإنفاق على متطلبات الحياة المعيشية للأسرة.
ويعدّ تغيير هذه الثقافة مهمة ثقيلة على كاهل الحكومة، ما اضطرها لجمع ممثلي مختلف الشرائح المجتمعية لمساعدتها في ما تصبو إليه، خاصة أن خطط الوزارات حول تنظيم الأسرة لم تأت بنتائج ملموسة حتى وصل عدد السكان إلى 96 مليون نسمة، حسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهاز حكومي).
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل شهرين، خلال المؤتمر الدوري للشباب بالإسكندرية، إن “أكبر خطرين تواجههما مصر في تاريخها هما الإرهاب والزيادة السكانية، لذلك وضعنا الناس الذين يحاولون قتلنا (المتطرفون) مع الزيادة السكانية كتحد قد يقلل من فرص مصر بشأن المضي قُدما في تطويرها”.
وتستعين الحكومة بالمؤسسات الدينية لمواجهة الأسر التي تصر على كثرة الإنجاب كوسيلة لإقناعهم بضرورة التجاوب، وأفتى الأزهر بأن “تنظيم الأسرة حلال”، وقالت وزارة الأوقاف إن “زيادة المواليد دون توفير الأسر حياة كريمة لهم حرام شرعا”.
ويواجه التيار الديني الرسمي المؤيد لضرورة خفض الإنجاب، تيارا متشددا يرى في كثرة الإنجاب خيرا وضرورة اي محاولة لتحديد أو الدعوة إلى خفض النسل هو ضد ما آمر به الله.
وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن عدد المواليد بلغ 2.6 مليون نسمة في 2016. وتهدف الحكومة إلى خفض معدل الإنجاب من 3.5 مواليد لكل سيدة حاليا إلى 2.4 مولود. بما يوفر للحكومة 200 مليار جنيه (11.3 مليار دولار) حتى 2030.
وقالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة سوسن منصور “إن الأسر الفقيرة وسكان المناطق الريفية والشعبية السبب في ما وصلت إليه الأمور بشأن الانفجار السكاني، لأن حياة هؤلاء قائمة على الأعمال الحرفية والزراعية والصناعية، وينظرون إلى كثرة الإنجاب على أنه غنيمة تعني المزيد من الرزق”.
وأوضحت لـ”العرب” أنه “لا يمكن مخاطبة هذه الأسر بلغة الحكومة ولا البرلمان، لأنهم متشددون لكثرة الإنجاب، بل بينهم من يتباهى بذلك، والحل أن يتم التركيز على الأجيال الجديدة بلغة خطاب مستحدثة، بحيث يتم تشكيل وعيهم وأفكارهم بعيدا عن أسرهم التي ترسخ في عقولهم أفكار قديمة بشأن الإنجاب”.
وأرجعت فشل جهود الحكومات السابقة لمواجهة الأزمة السكانية إلى أن “كل الاستراتيجيات كانت تخاطب أرباب الأسر دون التركيز على أبنائهم الذين سوف يؤسسون أسر المستقبل، وبالتالي فإن مواجهة الأزمة يجب أن تنحصر في الأجيال الشبابية الجديدة، لأن الكبار فُقد فيهم الأمل وعلى الحكومة أن تدرك ذلك”.
ويرى متابعون لأزمة الزيادة السكانية، أن الخطاب الموجّه للمواطن حول مخاطر عدم الاستجابة لخفض معدلات الإنجاب، ما زال ضعيفا ولا يدفع الأسر إلى الإيمان بالقضية أساسا.
وتبدو المشاركة المجتمعية منعدمة، فضلا عن قلة الثقة بين الفقراء الذين هم أصل المشكلة، والحكومة التي يُنظر إليها تعادي الطبقة الفقيرة لاتخاذها سلسلة قرارات اقتصادية صعبة.
التعليقات على الموضوع