شبكة المعلومات الجديدة

http://www.aldanahnews.ml/


السياسية الأردوغانية والاقتصاد التركي (2/2)




السياسية الأردوغانية والاقتصاد التركي (2/2)

الكاتب: محمد حبيب عيسى

بعد أن قدمنا دراسة عن السياسة الأردوغانية على الصعيدين” الداخلي والخارجي”، وتساءلنا فيها إن كانت هذه السياسة تصب في مصلحة الاقتصاد التركي أم لا، نظراً للعلاقة الوثيقة بينهما، وأن كل واحد منهما يؤثر ويتأثر بالآخر، وبيّنا أن الطابع العام لهذه السياسة، كان الطيش والرعونة والغرور، والارتهان لأداء دور رسم لها، بعيداً كل البعد عن مصلحة الدولة العليا، وتنفيذاً لأجندة خارجية نفذها فحمته، أو خدمة لمشاريع ذاتيه يسعى من خلالها أن يطوب نفسه سلطان الباب العالي.

2- على الصعيد الاقتصادي:

بالفعل لم تكن السياسة “الإيديولوجية الإسلامية” التي تاجر ويتاجر بها أردوغان وحزبه إلى الآن، هي التي حافظت على حكمه طيلة هذه المدة، لكنه النجاح الاقتصادي الذي غفر له ما فعله ويفعله، وهنا بالتأكيد سيتساءل الكثير، كيف يكون النجاح الاقتصادي في ظل سياسة رعناء طائشة؟، والكل يدرك أن الاستقرار السياسي والحكم الرشيد هما الركيزة الأولى لإنجاح الاقتصاد في أي بلد كان، مضاف إليها الندية في التعامل ما بين الدول، وللإجابة، وجب علينا أن نبين الحالة السياسية في المنطقة المحيطة بتركيا، نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية وانعكاساتها على الداخل التركي، قبل أن نبيّن حقيقة الاقتصاد التركي.

دخلت المنطقة العربية في دائرة الاهتمام لدول الاستعمار الغربي منذ اكتشاف النفط فيها بداية القرن الماضي، ولمّا تزل إلى يومنا هذا، ومنذ ذلك التاريخ والمؤامرات تحاك لها، فكان التقسيم والقتل والتخريب والمكائد كالمطر المدرار عليها، وتوج بخلق “إسرائيل” ككيان صهيوني غرس في قلبها، وخلق أنظمة رجعية عربية وظيفية، تدور في فلكه وتعمل ضمن أجندته السياسية، وشرعن وجودها، معتمداً على “إسلام سياسي” مؤدلجاً طائفياً، ومؤسساً لخدمة هذا الكيان وحمايته، دربه ونظمه وغذّاه، ليؤدي دوره كقوة رديفة له، ومعين في تنفيذ مخططاته الاستعمارية، ومن أجل “أمنه الذاتي” رسمت الخطط والخرائط وحيكت المؤامرات وشنت الحروب، وصار محور العمل السياسي في المنطقة كلها، ووضعت النظريات لحمايته بدأً من، “كلين برك، فوثيقة التغيير الجذري، إلى خطة ينون”، وأخيراً، “مشروع القرن الأمريكي الجديد” الذي يتوافق معهم جميعاً، حيث تم وضع خارطتين للشرق الأوسط بصورته الحالية، وأخرى وفقاً للمقترحات والخطط، وبدأ البحث الجاد عن البدائل والخطط والتحضير لمرحلة جديدة، فكان الغطاء لكل هذا، مشروع “الإسلام السياسي” وطائفيته البغيضة القاتلة، يقول بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد كارتر، بداية سبعينيات القرن الماضي: “العرب وحدتهم الأرض وعلى السماء أن تفرقهم”، من هنا بدأت المؤامرات والفتن ومشاريع الغرب الاستعماري والشحن الطائفي في المنطقة، وبرز الدور التركي المرتبط أمنياً بالإستراتيجية الغربية، والملبس بلبوس إسلاموي طائفي، بعد أن تم تأهيله لأداء هذا الدور، فكان حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان وحاشيته، الذين حذر منهم زعيم التيار الإسلامي في تركيا، نجم الدين اربكان، حيث قال: أحذروا “صبية الغرب” الاستعماري كما وصفهم، وكان يقصد “أردوغان وعبد الله غول وأحمد داود اوغلو وفتح الله غولن”، لكن ما رُسِم كان أكبر منه، فأطاحوا به أرضاً، وكان مشروع الفتنة الجديد وحامل لواؤه تركيا، الهدف منه الانتقال من جمهوريات وطنية ركيزتها مؤسسة عسكرية لمواجهة الكيان الصهيوني، إلى خلق كيانات صغيرة وضعيفة تابعة على أرضية دينية مذهبية، كما رسمها برنار لويس في مخططه سبعينيات القرن الماضي، وسلمه لبريجنسكي، ليكون خارطة طريق لبناء دولة يهودية لهذا الكيان في فلسطين، فكان أردوغان وحزبه العرّاب والكفيل له، يموله ويغذيه قطعان الخليج، ومن أجل هذا خلقت ثورات ما يسمى “الربيع العربي” التي شنها الغرب الاستعماري وأتباعه من دول وظيفية وإسلام سياسي وإعلام طائفي، عمل على شيطنة المحور المقاوم لهذا المشروع، وإلباس هذا المحور بلبوس طائفي مذهبي. ولكن حقيقة الأمر، أن هذا المحور قهر الكيان وانتصر عليه، من هنا استعر الدور الطائفي يحرق الأخضر واليابس، ويموه حقيقة ما يجري في المنطقة، حيث لم تعد القضية سرقة ثروات واحتلال أرض وتشريد شعب واغتصاب حقوق وحماية كيان، بل عدو أوحد بغيض، يريد تشييع المنطقة والهيمنة عليها وطمس هويتها، فغابت الحقيقة والقضية.

حقيقة الاقتصاد التركي

من أجل هذا تدفقت رؤوس الأموال الدولية “المؤدلجة” لتركيا، وأدت لحدوث طفرات في الاقتصاد لم تشهدها من قبل, وأصبحت الطبقة الوسطى “التي هي معيار التوازن والنماء في المجتمعات”، الشريحة الكبرى في تركيا، وعمت الشركات العالمية الموجهة استخباراتياً تجوب مدن تركيا من شمالها لجنوبها ومن غربها لشرقها، حيث بلغ عددها أكثر من 33500 شركة، فكان الرخاء والبذخ، وانبرت وسائل الإعلام الغربية وأبواقها في المنطقة تبّوق له، حيث وصفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بالاقتصاد “الذهبي”، وغردت الـ CNN تبرز الإنجازات التي تحققت في عهد أردوغان، وقالت أن تركيا تعتبر مقصداً للاستثمارات المباشرة، حيث الأمن والأمان والاستقرار، فتدفقت الرساميل وتجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ العام 2003، حسب الـ ” “CNN.

وتابع الإعلام الغربي عمله على تضخيم الحالة المتقدمة للحياة المعشية في تركيا، وقُدِم من خلاله أردوغان كزعيم شبه أممي في عالمه الإسلامي، لا بل كمخلص لهذا العالم المقهور، فكانت مسرحية دافوس مع بيريز وغيرها من الألاعيب السياسية الغربية.

إن ارتكاز النمو في الاقتصاد التركي على قطاع الإنشاءات ونمو الاستهلاك والاستثمار الأجنبي المباشر والاعتماد على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة و”الخفية المؤدلجة”، التي تعززت بفعل تراجع قيمة الدولار بعد الأزمة العالمية 2008، والسعي للتنويع من قبل المستثمرين بعيداً عن الدولار، ومعدلات الفائدة شبه الصفرية عليه، أدى لتراجع معدلات الفائدة في الداخل، ولكن أدى لارتفاع حجم الدين الخارجي، فقد بلغ في 2014، نحو 400 مليار دولار، أي أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا مرشح للزيادة أكثر، نتيجة استمرار العجز الجاري الذي تواجهه تركيا بعد فشل مشروعها الإخواني لما أوكل لها في المنطقة، الذي نجم عنه سحب الاستثمارات والمال المؤدلج منها.

لقد استفادت تركيا من مرحلة ما يسمى بـ “إعادة الهيكلة” للاقتصاد العالمي التي مر بها، والتي سرعت عملية نقل وظائف الإنتاج في القطاعات الحساسة للكلفة كـ “الألبسة والمفروشات” من دول المركز الاقتصادي إلى دول أخرى تنخفض فيها كلفة الإنتاج، فكانت تركيا مكاناً مثالياً لتوطين إنتاج الشركات الكبرى، نتيجة انخفاض كلفة الإنتاج من جهة، والموقع الجغرافي القريب من السوق الأوروبي من جهة أخرى، مستفيدة من هذا التلاقي بين العوامل الداخلية والخارجية، وتحولت كمركز تحكّم إقليمي أمثل لهذه الشركات، هذا ما أوضحه وليام فانغ، مدير شركة ” لي- فانغ”، ومقرها “هونغ كونغ”، وهي من أهم “اللاعبين المجهولين” في الاقتصاد العالمي اليوم، والموجهين استخباراتياً، حيث قال: ” تركيا تمثل مركز التحكم الإقليمي الأمثل لشركته”، وبذلك انتقلت تركيا من الإنتاج المباشر إلى إدارة هذا الإنتاج لحساب شركات العلامات التجارية الكبرى، واحتفظت بالأنشطة العالية للقيمة المضافة، وتوسع المجال الاقتصادي ـ الجغرافي لها بكل الاتجاهات، ووفر سوقاً هامة لسلعها، مما دفع وزير خارجيتها أحمد داوود اوغلو في حينه للتغزل فيه، وأسماه بـ “العمق الاستراتيجي”.

ولو تساءلنا عن مصدر هذه القفزة التنموية، أي تدفق الرساميل الأجنبية، وخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008؟، فإننا سنجد الجواب في السياسات التي اعتمدتها الخزينة الأميركية في الأعوام الأخيرة، والتي عرفت بـ “التسهيل الكمي” ، التي وفّرت كميات هائلة من السيولة التي كانت تُقرض للمصارف، ولا تزال، بفوائد منخفضة للغاية ـ أي ما يشبه “المال المجاني” ـ وأصبحت المصارف الغربية تتربع على رساميل ضخمة تحتاج إلى منافذ استثمار، فوجدت ضالتها “بقدرة عزيز مقتدر” في القطاع المصرفي التركي، مبررة ذلك بالمكان الآمن للإقراض، كون الأسواق مضطربة في أوروبا وأميركا الشمالية، فتدفقت مئات المليارات “المؤدلجة” من الدولارات، وهذا ما جعل القروض في تركيا سهلة ورخيصة للشركات، كما للأفراد، وازداد الاستهلاك بشكلٍ هائل، وانتعشت السوق العقارية ومشاريع البناء، وتضاعفت المداخيل الضريبية للدولة، لكنه بقي نوع من الاقتصاد الريعي، الذي هو غيمة صيف، وجني أرباح بطرق غير صحيحة، أدواته الفساد، وهدر للرأسمال الوطني وليس زيادة فيه، وخَلّقْ خلل في آليات التنافس وتطوير الثروة الوطنية، لكن مجتمعه هش وسهل الانهيار، ويراه الاقتصاديون نظاماً اقتصادياً استثنائياً مؤقتاً، ويمثل حالة من التسيد والتملك، بين شعب وحكومة تمتلك الريع والرعية، وهو شبيهٌ باقتصاد الخدمات، أو باقتصاد افتراضي نقيض للاقتصاد الإنتاجي، ويعد القاعدة المادية التي تتحرك عليها كل الظواهر الريعية، وهو الفارق الكبير غير المبرر اقتصادياً بين سعر التكلفة وسعر البيع القائم على غياب الجهد والتعب والمشقة، ومصادره متنوعة، كالدخل من الصناعات الاستخراجية والتحويلية وقطاع الخدمات والاتصالات، أو قطاع البناء والتشييد، والتجارة، وغيرها.

فإذا كانت حجر الزاوية التي جعلت من تركيا العائدة ” قوّة إقليمية عظمى”، هو إنجازاتها الاقتصادية الهائلة المحسوبة على أداء حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، والتي تبرر له بنظر ناخبيه ارتكاب الأخطاء في سياساته الأخرى، فلماذا إذاً، يحذر الخبراء الاقتصاديون من انهيارٍ وشيك في تركيا؟، ولماذا تخفض وكالات التصنيف العالمية تقييمها للاقتصاد التركي رغم كل المعطيات المشجعة؟، ألم يتوقع وزير المال التركي محمد شيشمك منذ مدة قريبة، أن تقوم وكالة “موديز”، بخفض تقييمها لاقتصاد تركيا؟، صحيح أن الرساميل الأجنبية قد تولِّد قفزةً في معدل النمو، إلا أن هذا الازدهار يبقى مرهوناً باستمرار تدفق هذه الأموال، ولكن ما أن تغيّر بيوت الأموال العالمية وجهة استثمارها، أو أن ترتفع معدلات الفائدة في أميركا، حتى تنقلب الآية بالكامل، وتتحول حالة الوفرة المالية إلى شحٍّ وأزمة، وهذا ما نشاهده الآن في تركيا، لأن نمط “الاستهلاك بالاستدانة”، هو الأكثر خطراً، نتيجة التغييرات الهيكلية والعميقة في عمل هذا الاقتصاد، وهذه التغيرات غير قابلة للعكس، فعندما ارتفعت المداخيل كان أكثر “الاستهلاك الإضافي” من الاستيراد، وبالتالي ارتفعت الواردات بشكلٍ كبير، من 41 مليار دولار عام 2001 إلى أكثر من 260 مليار في السنوات الأخيرة، والصادرات والصناعات التركية، التي كانت الركيزة الأساسية الأولى للاقتصاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، خسرت الكثير من تنافسيتها بسبب ارتفاع الأجور، واتسع الفارق بينها وبين الواردات ووصل العجز التجاري إلى مستويات مقلقة حوالي 100 مليار دولار عام 2013، أي أكثر من 15% من الحجم الإجمالي للاقتصاد، وتجري تغطيته حالياً عبر تدفق القروض الخارجية والمساهمات “المؤدلجة” مجهولة المصدر، والتي لا يمكن لها أن تستمر، وحسب تصريح علي باباجان نائب رئيس الوزراء، فإن البنوك التركية خسرت ما مجموعه 20 مليار دولار، حيث بلغت خسارة بنك الشعب “هالك” نحو 1,63 مليار دولار، كما خسرت عقد إيرادات كردستان العراق النفطية لصالح البنك الأميركي الاتحادي، وخلال أسبوع انخفضت قيمة سعر الليرة التركية للمرة الأولى في تاريخ حزب العدالة والتنمية بنسبة 20%، وباختصار فإن الخاسر الحقيقي هو الاقتصاد التركي والشعب التركي لحساب بنوك أجنبية غربية وأميركية، وبالتالي تمت سرقة هذا الوطن عبر الفائدة المصرفية المتزايدة كل فترة، وتكبد المواطنون الأتراك الخسائر تلو الأخرى.

صحيح أن الاقتصاد كان أحد الدعامات الأساسية في التجربة التركية الماثلة منذ 2002 مع حزب العدالة والتنمية، حتى 2010، ومنذ ذلك التاريخ لا ينفك أردوغان يذكّر بإنجازاته الاقتصادية، كما الواقف على الأطلال يندب الأيام الخوالي، فالوضع صعب وسخط رجال الأعمال من جو الاستقطاب الراهن يضر بالأعمال، بعد تراجع العملة التركية ونسب النمو متدنية عن الأعوام السابقة بشكل لافت.

مشكلات الاقتصاد:

رغم المؤشرات الإيجابية التي لا تنفك قيادة “العدالة والتنمية” تكررها، لا تزال التقارير الدولية تحذر من نمط التنمية القائم في تركيا تتزاحم وتتنبّأ بأن أرقام النمو والاستهلاك تخفي وراءها اختلالات هيكلية من المحتمل أن تطفو على السطح، عاجلاً أو آجلاً، ففي كانون 2014، أُجبرت الحكومة على مضاعفة سعر الفائدة لوقف التدافع على العملة الوطنية “الليرة”، وانخفضت توقعات النمو الاقتصادي إلى أقل من 6 % لعام 2014، وأشارت إحصائيات غير رسمية لخروج المزيد من رأس المال لأول مرة منذ عام 2004، أليس هذا مؤشرات لتراجع الاقتصادي التركي؟.

إن التوقعات السلبية للأزمة الاقتصادية التركية، جاءت من جانب مؤسسات التصنيف الائتماني، حيث أكدت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” تصنيفها الائتماني لتركيا وتوقعاتها السلبية، تعكس مخاطر اعتماد تركيا الكبير على التمويل الخارجي في عام 2015، فقد ارتفع عجز الموازنة بشكل كبير خلال عام 2014، وطبقًا لوزير المالية التركي “شيشمك”، فإن عجز الميزانية التركية بين حزيران وأيلول من العام ذاته بلغ 11,9 مليار ليرة أي ما يعادل “5 مليارات دولار”، ويأتي هذا العجز في مقابل فائض في الفترة نفسها من 2013، بلغ أكثر من 4,5 مليار ليرة، أي حوالي ملياري دولار”، وفق ما أوردته وكالة جيهان التركية، ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى العجز المتنامي في الميزانية، يتزايد الاهتمام بـ “التحويلات المجهولة” المتدفقة على الجهاز المالي التركي وفق ما أفادت صحيفة زمان التركية، ونقلت الصحيفة عن البنك المركزي التركي، أن الجهاز المالي شهد تدفق 817 مليون دولار في آب2014، ما رفع التمويلات والتحويلات المالية التي يرفض المركزي والسلطات المالية الإفصاح عن مصدرها وهويتها، والتي وصلت منذ بداية 2014 إلى 9,106 مليار دولار، لكن أردوغان توعد بقطع العلاقات بين حكومته ووكالتي “موديز و فيتش” للتصنيف المالي، متهماً إياهما بالإدلاء “بآراء ذات خلفية سياسية حول الوضع في بلاده”، وفق ما نقلت الصحافة التركية يوم الثلاثاء ١٦ أيلول ٢٠١٤ – أنقرة – أ ف ب، حيث قال أردوغان أمام الصحافيين الذين رافقوه في زيارته لقطر “سبق أن قطعنا العلاقات مع “وكالة ستاندرد أند بورز”، فإذا واصلت “الوكالتان الأخريان” تبني الموقف نفسه، فسأطلب من رئيس الوزراء أن يقطع العلاقات مع هاتين الوكالتين لأنهما لا تفيداننا في شيء”.

وغداة فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في العاشر من آب2014 ، حذرت “موديز” و”فيتش” من استمرار عدم الاستقرار السياسي في تركيا وخطره على الاقتصاد، فرد أردوغان أن “تركيا ليست مهددة بأي خطر اقتصادي، وإن هذا التقييم ليس له أي تبرير اقتصادي أو علمي”، لافتاً إلى أن الوكالتين تتبنيان “نهجاً سياسيا”، وبنفس الطريقة دعاهما رئيس وزرائه داود اوغلو، للتعامل مع تركيا بموضوعية، وقال للصحافيين خلال زيارته لشمال قبرص “جميع الذين تسألونهم في الأوساط المالية التركية والأجنبية سيقولون لكم إن هاتين الوكالتين لم تتخذا قرارات موضوعية حول تركيا”.

إن السياسات المرتبكة لأردوغان على المستويين الداخلي والخارجي هي بمثابة الضربة القوية التي قسمت ظهر الاقتصاد التركي، وباتت تهدده بالانهيار، نتيجة تزايد الخلافات السياسية الداخلية والخارجية، وهذا ما زاد من تراجع اقتصادها ورفع مؤشر عجز موازنتها، فقد أعلن معهد الإحصاء التركي، عن تراجع نمو الناتج المحلى الإجمالي التركي ليسجل 1,7% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام2014، ليقل كثيراً عن توقعات نموه بنسبة 3 %، وقد جاء ذلك بعد أن أظهر معدل النمو تباطؤاً في الربع الثاني حيث سجل 2,1%، بينما كانت المستهدفات تشير إلى إمكانية الوصول إلى 4%، إضافة لتراجع قيمة الليرة التركية، ومرد هذا، ارتفاع معدلات الفساد والاضطراب السياسي، فموازنة أنقرة تحولت إلى عجز بقيمة 5 مليارات دولار، نتيجة المواقف السياسية وتراجع العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار والخليج والقاهرة، وداعش الذي تبنته وربته في حضنها أفقدها ثاني أكبر سوق تصديري لها في العراق، والضباب الذي يلف العلاقة بين روسيا وأنقرة، ناهيك عن التذبذب بالعلاقة تركية الأوروبية التي أصبحت قريبة من “المساكنة بالإكراه” فيما بينهما، والقطيعة شبه الأبدية بين سورية وحكومة الباب العالي، “سلطان الدواعش”.

يضاف إلى هذا، وفقاً للأرقام الرسمية المنشورة، فإنّ فاتورة تركيا من مصادر الطاقة المستوردة ارتفعت إلى حوالي 60 ملياراً في العام 2012، فهي تستورد معظم الطاقة 90% من الخارج، ولهذا فهي تعاني دوماً عجزاً في الحساب الجاري نتيجة ارتفاع فاتورة وارداتها من النفط، إلا أنها استفادت من الانخفاض الكبير لسعر النفط في الأسواق العالمية الآن، نتيجة السلوك الذي اتخذته السعودية لما يجري حالياً من أحداث في المنطقة، كعقوبة لروسيا وإيران، بغية ضرب اقتصادهما بسبب موقفهما الداعم لسورية في الحرب عليها، صحيح أنّ الانخفاض في أسعار النفط قد حقق بعض الوفر في فاتورة الطاقة التركية، ولولا الطيش والانصياع للعبة السياسية الغربية وأذيالها العربية لكان زاد في الوفر وخفّف من العجز في الحساب الجاري لو قبل العروض والمغريات النفطية الروسية ” السيل التركي” التي قدمها الرئيس بوتن في زيارته الأخيرة لتركيا، لكن مقابل هذا الجانب الإيجابي من خفض الأسعار هناك جانب سلبي أيضاً، فهذا الانخفاض قد لا يبقى طويلاً، ناهيك عن أن حجم الاستفادة من هذا الانخفاض مرهون بسعر العملة التركية فترة الانخفاض، بمعنى آخر، إن الانخفاض في أسعار النفط جاء مصاحباً لانخفاض سعر صرف العملة المحلية، وتركيا تدفع ثمن الواردات النفطية بـ “الدولار”، وبالتالي ستصرف المزيد من الليرات لتحصل على الدولارات، وهذا يحد من حجم الأرباح بانخفاض الأسعار، ولكن يبقى العامل الأهم أن تلك الدول المنتجة للطاقة تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط والغاز وتحتل موقعاً متقدماً في قائمة الدول المستوردة للسلع التركية، فالعراق يحتل المركز الثاني، وروسيا تحتل المركز الثالث، وهناك ثلاث دول من أصل خمس في قائمة أكبر الدول المستوردة للسلع التركية، فانخفاض أسعار النفط بهذا الشكل سيؤثر على ميزانياتها، وبالتالي قد يدفعها إلى تقليص النفقات، وتخفيض حجم الواردات، وهذا سيؤثر سلباً على الصادرات التركية لهذه الدول، ويُسَجَل في باب الخسائر التركية.

وبالرغم ذلك لا تزال الحكومة التركية تروج أن تركيا ستكون ضمن أكبر عشرة اقتصاديات على مستوى العالم، وهذا غير صحيح لأن المصاعب التي واجهتها تركيا على الصعيد الاقتصادي توضح استحالة ذلك، وهذا يتطلب أن تكون نسبة نمو الاقتصاد السنوية 15% للوصول إلى الهدف المنشود، والحقيقة تشير إلى أن هذه النسبة لم تتجاوز الـ 4%، ما يفيد ببطلان تلك التوقعات، سيما وأن معدل الادخار منخفض فيها، وهي تحتاج إلى الموارد الخارجية، فكيف يتحقق ذلك في ظل مخاطر الانكماش التضخمي العالمي والأزمات السياسية التي باتت تواجهها أنقرة، بفضل التخبط السياسي؟.

ثمة مشكلات باتت ترتبط بتراجع معدلات النمو، وتصاعد معدلات التضخم، وتراجع قيمة العملة التركية، بسبب الاضطرابات السياسية، هذا بالإضافة إلى تنامي معدلات الفساد والبذخ المترف لسلطان الباب العالي، [“سياراته وطائرته الخاصة وتكلفة قصره الجديد “القصر الأبيض” وعدد غرفه نحو 1150 غرفة، بتكلفة قدرت بـ”600 مليون دولار]، كأكبر تكلفة في العالم لبناء قصر، ناهيك عن تشجيع الاستيراد بدلاً عن الإنتاج، والاعتماد على المال السياسي الخارجي الضخم بلونيه” الأحمر والأخضر” السياسي والإسلامي الريعيين، ووصول معدلات البطالة المسجلة رسمياً إلى 10,7%، وتراجع المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وتعددت المشكلات التي يواجهها الاقتصاد التركي كـ:

- ارتفاع معدلات الفساد التي أثرت بشكل كبير على حركة النمو والاقتصاد، وتراجع تركيا في التصنيف الدولي للشفافية 11 مركزًا ، وفقاً لـ “مؤشر مدركات الفساد الدولي” الصادر عن منظمة الشفافية الدولية 2013.

- الصراع الحاد مع حليف الأمس وعدو اليوم، الداعية غولن، ترك أثراً قوياً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

- تصاعد التحديات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية على الساحة المحلية، بفعل تنامي الاستقطاب السياسي والاجتماعي، إضافة إلى تصعيد الخطاب المذهبي بفعل الأزمة السورية، لدى قادة “العدالة والتنمية”، وخصوصاً أردوغان.

- ضعف القدرة على مواجهة شبكات المصالح الاقتصادية الاحتكارية في المجتمع والمهيمنة علي تدفقات الاستثمار، التي تساوم رجال أعمال موالين للنظام لاقتسام “عوائد الاحتكار”، وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة، أو القرارات المستقبلية المطورة للاقتصاد.

- مدى القدرة على استيعاب المد الاحتجاجي ذي الطابع الاقتصادي والسياسي، خاصة في المناطق المهمشة اقتصادياً وخدمياً.

- اللجوء إلي “الحلول السهلة المكلفة للفقراء”، كـ” القروض الدولية”، دون طرح رؤية لزيادة الإيرادات العامة للدولة، ودفع الناتج المحلي الإجمالي، بالرغم من إدراك أن ثمة شروط اقتصادية باتت تشكل عبئاً سياسياً على النظام، بعد أن أصبحت اقتصادات السوق لم تعد ضامناً للتحول السياسي، في ظل الأزمة العالمية للرأسمالية.

- التخبط “السياسي” وملف الاستقرار الأمني وفضيحة الفساد، وتبعات حرب أردوغان – غولن، الكبيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، كل هذا خلق بيئة اقتصادية غير آمنة للاستثمار وأعاق حركة تدفق رؤوس الأموال، وقلل من ثقة مؤسسات التمويل الدولية في اقتصادات الدولة غير المستقرة، والتخوف من ردات الفعل الاجتماعية والمستثمرين وطبقات رجال الأعمال، وبالتالي الغموض الاقتصادي، وغالباً ما يكون الثمن سياسياً، بأن تتخلى الفئات السياسية الداعمة والمساندة عنه، وقد شهدنا هذا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لأن تنامي النزعة السلطوية والغرور لأردوغان، باتت تشكل تحدياً لاستمرار تماسك الحزب، وتطرح تساؤلات في أوساط الجماعات الأكاديمية، إقليمياً ودولياً، فضلاً عن وسائل الإعلام المختلفة بشأن مستقبل حزب العدالة والمسار السياسي والاقتصادي لزعيمه أردوغان، في ظل ما تشهده الساحة التركية من تحولات نحو الراديكالية، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى قطاعات مؤيدة ومعارضة لهذا الحزب.

لقد صنف موقع “Bloomberg” الأمريكي المتخصص في مجال المال والأعمال في دراسة له نشرها مؤخراً، وأطلق عليها اسم “البؤساء”، والتي أجراها على أسوأ اقتصاد في العالم، معتمداً في ذلك بعض المعطيات الاقتصادية ونسب البطالة والتضخم، بغية تقييم اقتصادات الدول التي شملتها الدراسة، فكانت تركيا في المرتبة التاسعة بين أسوأ الاقتصادات، رغم طموحات حكومتها لتصبح ضمن أفضل عشر اقتصادات عالمية بحلول عام 2023، لكن المعطيات الاقتصادية تؤكد بأن الاقتصاد التركي يشهد حالة تراجع بمعدلات النمو، وأن حالة التباطؤ أثرت بشكل سلبي على معدلات التوظيف، وساهمت في رفع معدلات البطالة في البلاد، وبحسب معطيات هيئة الإحصاء التركية خلال شهر تشرين الثاني 2014، فإن معدل البطالة وصل إلى 10,7%.

وعن انعكاسات السياسة الأردوغانية على الاقتصاد التركي، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية: إن الاقتصاد التركي الذي كان يوماً ما “ذهبياً”، يعاني الآن من جميع الجهات، وأن السبب الحقيقي وراء ضعفه يعود إلى:

- فرار المستثمرين الأجانب من أنقرة نتيجة تصاعد نبرة الخطاب العدائي المتزايد تجاه رأس المال الأجنبي.

- الرد القاسي تجاه الاحتجاجات المناهضة للحكومة التركية.

- الوضع المضطرب في المنطقة، وانخراط “أردوغان” القوي والمستمر فيها.

بعد فضيحة الفساد التي عصفت بتركيا في كانون الأول2013، والأزمة السياسية مع جماعة الداعية الإسلامي”غولن”، خسرت الأسواق التركية 100 مليار دولار، وتراجعت قيمة الليرة التركية من 2,04 إلى 2,18 مقابل الدولار خلال نصف شهر، كما تراجعت بورصة إسطنبول أكبر نسبة لها منذ آب 2012، مما افقد تركيا السمعة الطيبة التي تمتعت بها، ولم تنفع الخطابات المتلفزة لأردوغان والمتتالية خلال أسبوع واحد في تهدئة الجمهور وأسواق المال التركية، فبعد انخفاض سوق الأسهم التركية بما يقارب الـ20% من قيمتها، وانخفاض القيمة السوقية للشركات التركية بـ49 مليار دولار، وهروب رؤوس الأموال من تركيا، والتباطؤ الحاد في النمو التركي، فهل هذا سيكلف الحكم الحالي، سلطته؟.

نشرت دائرة الإحصاء في تركيا أرقام ومعدلات النمو لعام 2014، فكانت محبطة للاقتصاد التركي لأنها كانت بعيدة عن توقعات السوق، وكانت بالفعل مخيبة للآمال، لأن توقعات النمو كانت 3,3%، فهي بعيدة المنال ويصعب تحقيقها، ولم يكن انخفاض معدلات النمو الخبر السيئ الوحيد، بل في الارتفاع المتزايد لمعدلات البطالة، وتراجع القوة الشرائية بصورة كبيرة، وانخفاض مبيعات السيارات بنسبة 19%، ولعل من أسباب هذا التراجع، وقف العمل بشراء السندات من قبل البنك المركزي الأمريكي ومظاهرات ساحة التقسيم، ما دفع المستثمرين لسحب الذهب ووضعه في الولايات المتحدة ، حيث قدِّر بعشرة مليارات من دولارات، هذا ما أثر سلباً على الاقتصاد، وحسب خبراء الاقتصاد فإن مرد ذلك يعود إلى السياسة الاقتصادية التركية الخاطئة، وعدم الاستثمار في قطاعي صناعة الميكانيك والتسليح، هذا ما أوضحته “حنيفة سيتين”، الباحثة في مركز أبحاث “توركسام” في أنقرة، لتلفزيون “Dw” الألماني، [” تركيا بحاجة للاستثمار في المشاريع الإنتاجية والبحوث والتطوير، فالنمو الاقتصادي الجيد التي مرت به تركيا، قد يتطور إلى تضخم اقتصادي وارتفاع بنسبة البطالة وبالتالي “انهيار اقتصادي” فيها”]، فنتيجة سياسات “أردوغان” الخاطئة، خسر مؤشر بورصة إسطنبول ثلث قيمته، وانخفضت قيمة الليرة إلى مستوى غير مسبوق، وتضاعفت عائدات السندات إلى10%، وفشل البنك المركزي التركي في وقف الانخفاض بالرغم من إنفاق ما يقرب من 15% من احتياطي البلاد من الدولارات، حسب ما أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، مما دفع أردوغان لتوجيه تهديدات قاسية للبنك المركزي ولسياسته النقدية، محملاً إياه مسؤولية التراجع في النشاط الاقتصادي وتدهور قيمة صرف الليرة، وواصفاً إياه بأنه باع بلده للغير، ويستجيب لضغوط الغرب وأعداء تركيا، لكن الملفت في الأمر انتقاد نائب رئيس وزراء النظام التركي “بولنت أرينتش” للتهديدات التي وجهها أردوغان للبنك، حيث قال لقناة “NTV” التركية: “لم يكن أمراً جيداً تهديد البنك المركزي، ومن الآن فصاعداً يجب على الجميع الامتناع عن توجيه انتقادات إلى البنك”، وأضاف: “أعتقد أن الانتقادات الدائمة لحاكم البنك المركزي والشكوك التي أثارتها حول هذه المؤسسة تركت أثرها على صعود الدولار”.

ولكن في حقيقة الأمر، فإن تراجع الليرة يبدو طبيعياً، نتيجة الوضع الاقتصادي التركي أولاً، وثانياً، سعي المستثمرين في الأسواق الناشئة للتخلص من العملات المحلية نتيجة تراجعها بالنسبة للدولار، مما عرضهم لخسائر واضحة، غير أن معظم المراقبين يعزون التراجع الحالي لليرة التركية لأسباب سياسية بحتة مرتبطة بطبيعة الصراع الدائر بين أردوغان والبنك المركزي، حول المستويات المناسبة لمعدلات الفائدة في تركيا، فمنذ فترة وهو يضغط على البنك لخفض معدلات الفائدة لتنمو الاستثمارات الخاصة، بينما يرهن البنك المركزي هذا الخفض بتطورات معدل التضخم، ونتيجة هذا الضغط فقد حاول رئيس البنك المركزي الاستقالة، ولكنها رُفضت، واستجاب البنك المركزي للضغوط في 20 كانون الثاني الماضي وقام بخفض معدل الفائدة الأساسي على القروض لمدة أسبوع بـ 50 نقطة من 8,25 % إلى 7,75 %، غير أن هذا لم يرض أردوغان الذي يطمع بأكثر من ذلك، وحسب اعتقاده، فإن هذا غير كاف لجذب مزيد من الاستثمارات إلى الدولة ودفع معدلات النمو الاقتصادي، فقطاع الإنشاءات الذي كان الركيزة الأساسية لصعود ” نمور الأناضول” الإسلاميون الذي هو وأتباعه جزء منه، ويعده المحرك للنمو من وجهة نظره، فهو يتراجع بصورة أكبر من التراجع في الناتج المحلي الإجمالي، بينما ينحسر الإنفاق الاستهلاكي بفعل القيود على عمليات الإقراض للقطاع العائلي، وهذا ما دفعه لتصعيد هجومه القاسي على مدير البنك واتهامه بالخيانة والارتهان، وحسب الفهم الأناني الضيق له يعتبره هدماً لأركانه وجبروته، ولكن في الحقيقة، فأي بنك مركزي، تكون عينه على النمو والعين الأخرى على التضخم وقيمة العملة، فهو لديه معدل مستهدف للتضخم يساوي 5 %، قد يكون مرتفعاً مقارنة بمعدلات التضخم المستهدفة في الدول الصناعية في العالم، ومعدل التضخم المستهدف كثيراً ما يتماشى مع الاتجاه العام لمعدلات التضخم الفعلي، فكيف إذا بلغ معدل التضخم 7,2 % كما حدث في كانون الثاني الماضي، وهو أعلى من التضخم المستهدف، وهذا ما يبرر مقاومة البنك المركزي فكرة خفض معدلات الفائدة – التي يصر عليها أردوغان- لأن لها تأثيرات سلبية في تغذية الضغوط التضخمية واستمرار تراجع قيمة الليرة، وهذا لا يعني أن البنوك المركزية لا تخفض من معدلات الفائدة، فالدول الصناعية مثلاً، تواجه مشكلة ” الانكماش السعري”، وبالتالي فإن خفض معدلات الفائدة أو السياسات النقدية التوسعية تساعد في إيقاف أو تخفيف حدة هذه المشكلة، أما في تركيا فإن الوضع مختلف، حيث تواجه تركيا مشكلة ” التضخم السعري”، وبالتالي فإن خفض معدلات الفائدة يعزز الضغوط التضخمية.

إن الهدف الأساسي لأردوغان من رفع معدلات النمو، وخفض معدلات الفائدة هو التوظيف السياسي لمساعدة حزبه في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في الأيام القريبة جداً، ودعماً لمموليه “نمور الأناضول” الاخطبوط المالي في تركيا، ضارباً بالبنك المركزي عرض الحائط، “كونه مؤسسة مستقلة عن الحكومة لها مستهدفاتها الخاصة التي تسعى إلى تحقيقها لضمان الاستقرار الاقتصادي، وعلى رأسها السيطرة على التضخم وضمان استقرار الأسعار”، إن ما يفعله أردوغان ويؤكده وزير اقتصاده، الذي قال: إن اهتمام تركيا في الوقت الحالي ليس معدل صرف الليرة، ولكن النمو الاقتصادي، وعلى البنك أن يخفض معدل الفائدة على نحو أكبر”، كل هذا يصب في الخانة الضيقة الفردية لأردوغان وحزبه، وضرباً بمصداقية البنك المركزي، وهذا ما يضع المستثمرين في قلق متزايد حول مدى استقلاليته ومصداقيته، وبالتالي وضع الليرة التركية تحت مزيد من الضغوط، وهذا يذكرنا بقول محمد إلهي- أستاذ في جامعة “كوينبياك” الأمريكية لصحيفة تركية معارضة: “إن الاقتصاد التركي بدأ يُظهر إشارات لوجوده تحت الضغط، فنموه لم يزد عن 2,1% خلال الربع الأول من عام 2014، وبنسبة تقل كثيراً عن التوقعات، في حين تتعرض الليرة لتراجعات حادة”، إن ما يفعله البنك المركزي صحيح لأن خفض معدلات الفائدة على نحو كبير له انعكاسات سلبية على قيمة الليرة، وعلى رفع معدلات التضخم، وبالتالي تهدد تدفقات رؤوس الأموال لاقتصاد يعتمد بشكل كبير عليها في سد فجوة النقد الأجنبي لديه، وخصوصاً أن احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي تعد محدودة جداً بالنسبة للاحتياجات السنوية لتركيا.

في بداية عام 2013 كان معدل صرف الدولار 1,75 ليرة تركية، وفي بداية عام 2014 ارتفع معدل صرف الدولار إلى 2,27 ليرة، واليوم بلغ معدل صرف الدولار 2,557 ليرة، أي أنه على مدار العامين الماضيين تراجعت الليرة بنحو 45 %، وهذا تدهور كبير في غضون هذه الفترة الزمنية القصيرة، فمنذ اضطرابات ساحة التقسيم ومعدل صرف الليرة التركية في تراجع وتسارع كبير، وهذا ما يثير القلق حول مستقبلها، خصوصاً أن سجل تركيا في مجال التضخم ليس ناصعاً، والتراجع الحالي في قيمة الليرة أعاد للأذهان أجواء أزمة 2001، حيث تراجعت الليرة بصورة كبيرة، وهو ما مهد لصعود حزب التنمية والعدالة في 2002، فهل هذا التراجع يودي به؟.

إن البعد المفقود في تركيا، هو انعدام سياسة المسارات المتوازنة بين التنمية وعمليات التغيير السياسي، فرغم الإقرار بأن العوامل الاقتصادية ليست وحدها التي أشعلت الاحتجاجات، لاسيما مع وجود دوافع متداخلة من غياب الحريات، وإهانة الكرامة، وغياب العدالة الاجتماعية، والتهميش الاقتصادي و المناطقي، فإن مرحلة ما بعد الاحتجاجات شهدت انغماساً في صراعات التغيير السياسي بمكوناته من دستور وانتخابات وغيرها، مقابل سوء الإدارة للتحديات الاقتصادية، الأمر الذي خلف احتجاجات واعتصامات وتراجعات في القطاعات الاقتصادية، نتيجة الفجوة بين التطلعات الاقتصادية لمواجهة معضلات الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومدى قدرة النظام على طرح رؤية لخروج المجتمع من أزمته الاقتصادية، فالإشكالات الاقتصادية التركية هي في حقيقتها، إشكالات ذات طبيعة هيكلية، ولعل من أبرزها:

- الارتباك والغموض في السياسات الاقتصادية في مراحل متعددة من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، مثل: “انتهاج سياسات تحرير الاقتصاد والانفتاح على الاقتصاديات العالمية والاستثمار الأجنبي بلا ضوابط وعدم مراعاة المصالح الوطنية من جهة، وبين العودة لممارسة الدور المهيمن للدولة في وظائفها التنموية من جهة أخرى”، أي التخبط بين الليبرالية ومركزية الحكم التسلطي الإسلاموي، ولعل أبلغ مثال على التخبط والارتباك الاقتصادي، عندما تم إصدار قرار بخصوص الضرائب، فلا تزال الرؤى الاقتصادية تدور في فلك الماضي، دون طرح رؤية للخروج من أسر الاقتصاد الريعي، وقد أفصحت دراسة لـ “معهد كارنيجي” عن هذا الغموض في السياسات الاقتصادية، عندما أشارت إلى الرؤية الاقتصادية الرمادية للتيارات السياسية الإسلامية، فهي تفضل “السوق الاجتماعي” كحل وسطي يوازن بين الدور القوي للدولة ومصالح القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه، تراعي الاندماج في الاقتصاد العالمي، ولا تميل إلي الحلول الجذرية التي تغير من طبيعة المعادلات الاقتصادية القائمة.

- النمو الاقتصادي في دولة ما، يفرض شروطه وقوانينه على النظام السياسي ويعكس توجهاته على المجتمع بالكامل، وتلك الشروط والقوانين للاقتصاد المتطور، تصل إلى مفترق طرق مع النظام السياسي، فإما أن يتطور النظام السياسي ليجاري التطور الاقتصادي وإما يعمل على إعاقة التطور الاقتصادي ليتواءم والنظام القائم.

- السياسة تضعف أمام الواقع الاقتصادي، والاقتصاد يتقهقر بفعل السياسة العشوائية المنقادة للاقتصاد، والضحية هو الإنسان .

لقد استطاع أردوغان تغييب الديمقراطية التي تسعى لترسيخ مبدأ المحاسبة بين السلطات داخل الدولة، بغية الوصول إلي خدمة المصالح العامة، لأن النظم السلطوية تعمل جاهدة للاحتكار السياسي الذي عادة ما يتحول إلي احتكار اقتصادي، مما يضعف من الفعالية الاقتصادية، ويزيد من غضب الفقراء، كما أن الديمقراطيات الفقيرة أكثر انفتاحاً ومصارحة مع شعوبها، وبالتالي فإن تصويب الخيارات الاقتصادية يكون بشكل أكبر بكثير من الحكومات التسلطية التي تضعف فيها القدرة على التصحيح، الأمر الذي يوقعها في أخطاء سياسية واقتصادية، كما يحدث في تركيا، فالأسباب الجذرية لمشاكلها الحالية سياسية، والتخبط الداخلي التركي سببه الصراع الدائر ما بين العلمانية والإسلام الأردوغاني، وبالتالي سيدفع أردوغان بالعودة إلى دائرة ناخبيه الإسلاميين الضيقة، سواء شاء أم أبى، فالنظام السياسي على المستوى الداخلي يعاني من انقسامات وصراعات حادة وعميقة حول ما يدور في تركيا، ناهيك عن الأحداث في المنطقة وغوص حزب العدالة والتنمية حتى أذنيه فيها، فالأحزاب السياسية التركية وما تمثله من شرائح اجتماعية مختلفة، والمجموعات الاقتصادية التي تعمل على استقطاب الآراء والمواقف السياسية، والفساد واستشرائه وسوء توزيع الدخل، وتدهور البيئة، وعدم استقرار الجماعات العرقية المحلية، والاحتجاجات، ووصف أردوغان المعترضين على سياسته بالجماعات الغوغائية واللصوص، والرد ببطش من قبل حكومته القمعية، والاعتقالات وانعدام الانفتاح السياسي الداخلي، والتغييرات غير الدستورية أو اللعب على الدستور من أجل تعزيز سلطته كرئيس دولة، كل هذه الاختلافات والصراعات فيما بين الأحزاب السياسية والقوى الاقتصادية والحكومة، قد عززت عدم اليقين في السوق، والحد من الحوافز للاستثمار وخفض النمو الاقتصادي، واضمحلال الاستقرار السياسي، مما أدى لشل الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وقلل من فرص الاستثمار، وحدّ من النمو الاقتصادي.

النتيجة:

الكل يقر بأن الاقتصاد كان الفصل الأهم في قصّة نجاح حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا منذ عام 2002، ودليل هذا، تعاقبه على الحكم ثلاث مرات متتالية، وهو ما يعلّق عليه أردوغان الآمال ليكون الرافعة الشرعية لسياساته الخارجية والداخلية، والسياسة الاقتصادية لـ “العدالة والتنمية”، هي الليبرالية المطعَّمة بشيء من سمات السياسات المحافظة، والتي أرداها أردوغان وحزبه لتوظيف السياسة الخارجية لمصلحة تحسين وضع الدورة الاقتصادية التركية، وصورته الداخلية خاصة في صناديق الاقتراع، فالحزب الحاكم يدرك أن الاقتصاد يأتي أولاً، من ناحية هموم الناخب التركي، ولهذا خصص له الشق الأكبر في مشروعه الانتخابي “العملاق” /156 صفحة/، فأرضى الناخب ونفذ ما رُسم له.

وتبقى الاستراتيجية الوهمية التي يخطط لها سلطان الباب العالي “العثمانية الجديدة” ومصحفها المقدس “العمق الاستراتيجي” و” “المعجزة الاقتصادية”- حسب ما يسميها المغرمون بعبقريته الاقتصادية- التي سيفاجئ الأمة التركية ” كما يحلم” في احتفاليتها المئوية الأولى 2023 بالمرتبة العاشرة عالمياً، فإذا كان المطبّلون لحزب العدالة والتنمية و”معجزته الاقتصادية” يبررون هذه “التسمية” للأسباب ثلاثة هي:

أولاً: إن “العدالة والتنمية” وصل إلى الحكم على صهوة الأزمة الاقتصادية الهائلة لعام 2001، التي أفقدت الليرة التركية الجزء الأكبر من قيمتها الشرائية.

نقول لهم: فتشوا عن الذين أسرجوا الخيل ليمتطي أردوغان وحزبه تلك الصهوة الاقتصادية، ألم يحذر معلّمهم الكبير” نجم الدين اربكان” منهم، حذر لأنه يدرك ما يحضر وما يتم إعداده، ونحن اليوم نشهد ما حذر منه سياسياً واقتصادياً، ونعلم لماذا ضُرب مشروع تورغت اوزال وإصلاحاته الاقتصادية في ثمانينيات القرن الماضي، حتى وصول الفرسان المظفرين، “نمور الأناضول” أو أصحاب “رأس المال الأخضر” الإسلاموي لهذه الفئة، التي منها خرج “الصبية” ومالهم المؤدلج والمجاني و…..الخ.

ألم يطلق الوزير الأسبق للاقتصاد، كمال درويش الذائع الصيت في الدوائر الاقتصادية العالمية، نداءً تحذيرياً _ قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم _ من خطر الإسلاميين، ولم ينفع هذا النداء لتفادي “الكارثة الإسلامية”، حيث قال في حينها: “إذا لم تُحَل الأزمة الاقتصادية، فستصل رجعية “الإسلام السياسي” إلى السلطة.

ثانياً: إن الأزمة المالية العالمية الأكبر في تاريخ الرأسمالية، حصلت في عهد أردوغان ورفاقه.

ونحن نسأل كما لا يختلف عليه الاقتصاديون، عن مصدر هذه القفزة التنموية، أي تدفق الرساميل الأجنبية؟، وخاصة إثر الأزمة المالية العالمية الكبيرة عام 2008، فلماذا لم تسحب الأرصدة الأجنبية من تركيا، رغم أنها سُحبت من أسواق المال العالمية؟، إنه الدعم الخفي من “القوى الخفية”، فآلاف الشركات الأجنبية”33500″ شركة، ومئات المليارات من الدولارات للاستثمار، ونحو٣٠ مليون سائح وجِّهوا لتركيا، هؤلاء خلقوا المعجزة الاقتصادية التركية ورسّخت شعبية “السلطان” في الداخل، نتيجة الرضى الأميركي عن هذه “الشعبية” لأسباب عديدة، منها ما هو معروف سياسياً واستراتيجياً ومنها ما لا يعرفه إلا أردوغان و داوود اوغلو وأصحاب القرار في واشنطن!.

ثالثاً: إن أسعار النفط “الذي تعتمد عليه تركيا كلياً في كل وجوه دورتها الاقتصادية”، كسرت الأرقام القياسية في عهد الإسلاميين المعتدلين الحاكمين.

عن هذا يجيب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في صفحة غرامياته وعشقه للعمالة، منذ 2003 إلى الآن، و “داعش” لاحقاً، فربما ليس اقتصاد الدولة التركية فقط الذي نما، بل جيوب “الفرسان” وعائلاتهم ومافياتهم أيضاً.

من نافل القول، إن العوامل الخارجية التي ساندت اقتصاد أردوغان بزخم كبير هي عوامل اصطناعية مؤقتة، وبإمكانها أن تخلق نمواً كبيراً على الورق تشبه “المعجزة”، وتوسعاً مؤقتاً في الاستهلاك، ولكنها قد تخفي وراءها مشاكل عميقة، فاليونان عرفت “معجزة اقتصادية” لأكثر من عقدين في القرن الماضي، قبل أن تنكشف التناقضات الهيكلية في البلد، ويدفع اليونانيون ـ حتّى آخر بارة ـ ثمن سنوات من الاستهلاك غير المحسوب، غير أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين دق ناقوس الخطر، منذ سنوات، تحذيراً من “نمط التنمية اليوناني”، الذي تسير عليه تركيا، ورغم هذا، لا يملّ أردوغان وفريقه من تعداد أرقام النمو.

إن السيطرة المركزية على النشاط الاقتصادي تثبّت الطريق إلى الرق، وإن الحرية السياسية تعني انعدام قهر الفرد من قبل أنداده، والخطر الرئيسي على الحرية هو امتلاك القوة على القهر، ولحمايتها يجب التخلص من هذا التمركز للسلطة و إيجاد نظام ضبط وتوازن، فعندما يتخلص النشاط الاقتصادي من السيطرة السياسية، سيتخلص السوق من سيطرة السلطة القهرية، وتصبح القوة الاقتصادية مصدر ضبط وفحص للسلطة السياسية، ولهذا حرص أردوغان على التفرد والسيطرة، والابتعاد عن الضبط والفحص لسلطته السياسة، وتحولت “المعجزة الاقتصادية” من جراء ذلك لـ “مهزلة اقتصادية”.

لقد غدت تركيا الخاسر الأكبر بعد أن كانت الرابح الأكبر إقليمياً، بسقوط مشروعها الإخواني في المنطقة، فكان بمثابة زلزال نسف بناء اشتغل عليه أردوغان وعمل الغرب على ترويجه كـ “نموذج” يحتذى، وأحبط حلماً أيديولوجياً لبناء تحالف إسلاموي سياسي في المنطقة، مركز قيادته اسطنبول، لكنه تبخر، وحلت الكارثة في السياسة والاقتصاد، ودفعت ثمن رهانها الخاسر، لقد أفل الحضور التركي في المنطقة، ولم تعد التوجهات التركية الجديدة يمكن الوثوق بها، إن لم تقترن بتغيير جذري لمواقفها من دول المنطقة وقضاياها، ومن المنظمات الإرهابية التي أوجدتها ودأبت على دعمها، فهي مدعوة اليوم لمراجعة عاجلة لسياساتها ومواقفها من قضايا الشرق الأوسط، وبالتالي إنقاذ مستقبلها في المنطقة، قبل أن تتداعى وتؤول للسقوط، بسبب تدخلاتها وخلق أزمات داخلية لدول المنطقة، أو ساهمت إلى حد كبير في صنعها، فالشراكات التي جربتها سابقاً نجحت فيها، لكنها انقلبت عليها وفضلت الصراعات والتوترات السياسية على الندية، سيبقى الشك في نواياها سيد الموقف، والحذر واجب.

إن الحلم المسعور لـ “العثمانية الجديدة” الذي يعمل عليه أردوغان واوغلو لا ينسجم مع أي معيار أوروبي، ولا يصلح أن يكون جزءاً من أي تكتل إقليمي أو دولي، لا بل يشكل خطراً على أنقرة وعلى جيرانها، فهل ستتحرك القوى الديمقراطية والعلمانية في تركيا والمنطقة وتصد هذا “الهواء الأصفر” الذي إن لم يُستأصل، سيحرق المنطقة.

في الخاتمة يبقى السؤال، إلى متى يبقى المواطن التركي غائباً عن فهم وإدراك ما يجري في المنطقة ومدى الخطورة فيه، وهل الرغد الاقتصادي جعله يتناسى كل لهيب المنطقة ومآسي الجوار ويصمت عن فضائح الفساد، والارتهان للغرب، وإشعال المنطقة برمتها بغباء تركيا وهي ليست بمنأى منه؟

لقد أوصل أردوغان واوغلو وزبانيتهم تركيا إلى حافة الهاوية اقتصادياً وسياسياً، فإذا كان نجاح الاقتصاد التركي سبباً أساسياً لبقاء أردوغان في السلطة، فهل فشل الاقتصاد يُصبح كعب أخيل له؟ هذا ما ننتظره في الفترة القريبة القادمة وخاصة بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة

ليست هناك تعليقات